من طرف غزة: شبح الموت يطارد المرضى المحاصرين
كتب محمد البابا
يرقد المواطن مازن أبو يوسف (55) عاماً طريح الفراش في بيته، بانتظار سماح الاحتلال له بالسفر، بعد أن أعياه المرض وأنقص وزنه، وصار أشبه بهيكل عظمي يتألم.
أبو يوسف الأب لثمانية أطفال يسكن مخيم النصيرات وسط قطاع غزة مصاب بمرض عضال "سرطان الرئة"، يحمل أوراقاً ثبوتية من جهات طبية رسمية وأهلية وخاصة توضح خطورة مرضه، وحياته باتت رهينة الحصار وتصاريح الاحتلال للسماح له بالمرور عبر المعابر المغلقة.
وأوضح أبو يوسف لـ "الأيام" أنه خاطب الجهات المعنية كافة ولم يترك باباً إلا وطرقه، بما فيها الصليب الأحمر الدولي، أملا في مساعدته باستصدار تصريح رسمي للوصول الى مستشفيات إسرائيل أو أي مكان آخر.
وأقر بصوت مبحوح خفيض أن القضاء والقدر سنة الله في الحياة، إلا أن ذلك لا يعني التوقف عن العمل والتواصل حتى الرمق الأخير، مشيراً إلى أنه يعد أيامه الأخيرة برضا وطمأنينة، ولن يستسلم حتى آخر لحظة للمطالبة بالسفر للعلاج والحصول على التصاريح اللازمة لذلك.
1627 طلباً رفضت العام الماضي
وكانت البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تحدثت عن رفض سلطات الاحتلال أكثر من 1627 طلبا العام الماضي، لمرضى يريدون مغادرة القطاع للعلاج، فيما رفض الاحتلال العام 2006 أكثر من 588 طلباً، ووفقاً للبيانات الصادرة عن اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار رفضت سلطات الاحتلال 1285 طلباً لمرضى تقدموا للعلاج خارج قطاع غزة خلال العام الحالي، عدا أن مئات المرضى رفضوا أصلا تقديم طلبات بهذا الخصوص لمعرفتهم بالرد المسبق لقوات الاحتلال، وهو رفض السماح لهم بالمغادرة للعلاج تحت حجج وذرائع أمنية واهية.
وأوضح شقيق المريض أبو يوسف أن خطر الموت يهدد قائمة كبيرة من المرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة، جراء عدم تلقيهم العلاج بسبب عدم توفر الأدوية، ومنعهم من مغادرة القطاع لتلقي العلاج، نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، وإغلاق كافة معابر القطاع منذ عدة أشهر، مشيراً إلى أن شقيقه لا يعمل ويعيش على المساعدات التي تتلقاها أسرته عبر الأونروا، ويساعده أشقاؤه والأقارب في تحمل أعباء الحياة اليومية.
جرائم إبادة بحق المرضى
وقال رامي عبده، الناطق باسم اللجنة إن الاحتلال يمارس أبشع جرائم الإبادة بحق المرضى في قطاع غزة، تتضمن عقوبات جماعية للمواطنين في قطاع غزة وحصاراً وخنقاً شاملاً وتدميراً لحياة المواطنين العزل والأبرياء، مؤكداً أن تجاهل وفشل الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف لحقوق الإنسان في ملاحقة قادة الاحتلال كمتهمين بارتكاب مخالفات جسيمة أو كآمرين باقترافها وتقديمهم للمحاكمة يمثل وصمة عار وإخفاقا في مسؤوليات الأطراف الموقعة كأطراف سامية متعاقدة على الاتفاقية.
وكان 159 مريضاً توفوا بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق، ومنع سلطات الاحتلال إصدار تصاريح لهم خاصة للعلاج خارج قطاع غزة، كان آخرهم د. كمال محمود العصار المحاضر بجامعة القدس المفتوحة (42 عاما)، الذي وافته المنية اليوم بعد معاناته من مرض السرطان، ورفض الاحتلال السماح له بالعلاج خارج مشافي قطاع غزة.
وأوضح عبدو أن العصار كان يعالج قبل فرض الحصار الشامل، حيث كان يدرس الدكتوراه في المملكة الأردنية الهاشمية، وأن حالته كانت تحتاج متابعة دورية في المشافي الأردنية، إلا أنه لم يتمكن من العودة إلى الأردن لتلقي العلاج نتيجة رفض قوات الاحتلال السماح له بالسفر للعلاج.
ودعت العديد من المؤسسات الحقوقية والانسانية العاملة في غزة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولات الملحقة إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية الواردة في المادة 146 من الاتفاقية الرابعة والتي تؤكد على ضرورة ملاحقة المسؤولين عن اقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية.
الموقف الأوروبي
وعبر عبدو عن حزنه لعدم ارتقاء الموقف الأوروبي إلى موقف ضاغط ومؤثر على الاحتلال، لافتاً الى أن اللجنة لمست الأشهر الماضية مواقف متقدمة من العديد من المسؤولين الأوروبيين وأعضاء البرلمان الأوروبي، إلا أن هذه المواقف لم ترق إلى فعل حقيقي يلمسه المواطن، خاصة وأن الاحتلال يستبيح كل المحرمات ويتغول حتى في أدق تفاصيل الاحتياجات الإنسانية للمواطنين.
واتهم الاحتلال بارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات بحق سكان قطاع غزة جراء فرضه للحصار المطبق على قطاع غزة، واستهجن تذرع عدد من المؤسسات الدولية والدول العربية بحاجتها إلى تنسيق مسبق مع الاحتلال من أجل إيصال المساعدات والإمدادات الطبية والحيوية للمحاصرين في القطاع، قائلاً "إن نص المواد السابقة الذكر في الميثاق الأساسي يبيح تقديم المساعدات بشكل مباشر دون الحاجة إلى تنسيق مسبق مع أية جهة خاصة، وأن القطاع أعلن عنه كمنطقة كوارث ومنطقة منكوبة من قبل العديد من المنظمات وعلى رأسها جامعة الدول العربية".
